الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج
. باب الإحرام: . فَصْلُ: [ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا التَّعْبِيرُ فِي الْأَوَّلِ بِالْجَوَازِ وَفِي التَّتِمَّةِ بِالِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ غَرِيبٌ. وَلَوْ تَعَطَّرَ ثَوْبُهُ مِنْ بَدَنِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَطْعًا (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:«كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ». وَالْوَبِيصُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْبَرِيقُ. وَسَوَاءٌ فِي الِاسْتِدَامَةِ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ (لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثَّوْبِ أَنْ يُنْزَعَ وَيُعَادَ فَجُعِلَ عَفْوًا، وَلَوْ تَطَيَّبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ لَزِمَهَا عِدَّةٌ يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ فِي وَجْهٍ لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقَّ آدَمِيٍّ فَالْمُضَايَقَةُ فِيهِ أَكْثَرُ (وَأَنْ تُخَضِّبَ الْمَرْأَةُ لِلْإِحْرَامِ يَدَهَا) أَيْ كُلَّ يَدٍ مِنْهَا إلَى الْكُوعِ بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْكَشِفَانِ وَأَنْ تَمْسَحَ وَجْهَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحِنَّاءِ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِهِ فَلْتَسْتُرْ لَوْنَ الْبَشَرَةِ بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ. وَيُكْرَهُ لَهَا الْخِضَابُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَلَا يُخَضِّبُ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى لِلْإِحْرَامِ (وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لِإِحْرَامِهِ عَنْ مِخْيَطِ الثِّيَابِ) لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ لُبْسُهُ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَيَتَجَرَّدُ بِالرَّفْعِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّافِعِيِّ بِوُجُوبِ التَّجَرُّدِ لِمَا ذُكِرَ فَهُوَ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ (وَيَلْبَسُ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ) جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ (وَنَعْلَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) لِلْإِحْرَامِ وَتُغْنِي عَنْهُمَا الْفَرِيضَةُ. رَوَى الشَّيْخَانِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ». وَتَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ حَدِيثُ:«الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ». وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» ا ه. وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ (ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَيْ اسْتَوَتْ قَائِمَةً إلَى طَرِيقِهِ (أَوْ تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ مَاشِيًا) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُهِلَّ حَتَّى انْبَعَثَتْ بِهِ دَابَّتُهُ». وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا» (وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ) جَالِسًا. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. (وَيُسْتَحَبُّ) (إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ) أَيْ الرَّجُلِ (بِهَا) بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ (فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِكْثَارِ وَرَفْعِ أَيْ مَا دَامَ مُحْرِمًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ (وَخَاصَّةً) بِمَعْنَى خُصُوصًا (عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَهُبُوطٍ وَصُعُودٍ وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَفَرَاغِ صَلَاةٍ وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَوَقْتِ السَّحَرِ، فَالِاسْتِحْبَابُ فِي ذَلِكَ مُتَأَكِّدٌ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَزِمَ تَلْبِيَتَهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ:«أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ»: وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهَا فَإِنْ رَفَعَتْهُ كُرِهَ. وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَلَا تُسْتَحَبُّ) التَّلْبِيَةُ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً (وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ) وَفِي السَّعْيِ (بِلَا جَهْرٍ) وَلَا يُلَبِّي فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ جَزْمًا لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ. وَتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ بِعَرَفَةَ. وَكَذَا سَائِرُ الْمَسَاجِدِ فِي الْجَدِيدِ وَيَرْفَعُ الصَّوْتَ فِيهَا (وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرَّيْك لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُهَا ثَلَاثًا وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ وَهُوَ مَثْنًى مُضَافٌ الْإِجَابَةُ لِدَعْوَةِ الْحَجِّ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ) قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَرَأَى جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الْهَنِيئَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). قَالَ تَعَالَى:{وَرَفَعْنَا لَك ذِكْرَك} أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي لِطَلَبِي ذَلِكَ (وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ) رَوَى الشَّافِعِيُّ والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ:«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ سَأَلَ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ». قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ . باب دخوله (أي المحرم) مكة: وَلَوْ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ قَدَّمَ الصَّلَاةَ. وَكَذَا لَوْ خَافَ فَوْتَ فَرِيضَةٍ أَوْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ وَلَوْ قَدِمَتْ الْمَرْأَةُ نَهَارًا وَهِيَ جَمِيلَةٌ أَوْ شَرِيفَةٌ لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ أَخَّرَتْ الطَّوَافَ إلَى اللَّيْلِ وَهُوَ تَحِيَّةُ الْبُقْعَةِ أَيْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَالَ وَفِي فَوَاتِهِ بِالتَّأْخِيرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيُؤَخَّرُ عَنْهُ اكْتِرَاءُ مَنْزِلِهِ وَتَغْيِيرُ ثِيَابِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ. وَأَنْ يَقْصِدَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ. (وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ) فِي الْمُحْرِمِ (بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) فَلَا يُطْلَبُ مِنْ الدَّاخِلِ بَعْدَهُ وَلَا مِنْ الْمُعْتَمِرِ لِدُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ عَلَيْهِمَا أَمَّا الْحَلَالُ فَيُسْتَحَبُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لَهُ أَيْضًا (وَمَنْ قَصْد مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ) كَأَنْ دَخَلَهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ (اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِدَاخِلِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَالسُّنَنُ يَنْدُرُ فِيهَا الِاتِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ (إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزْمًا لِلْمَشَقَّةِ بِالتَّكَرُّرِ لِلْوُجُوبِ فِي غَيْرِهِ شُرُوطٌ أَنْ يَجِيءَ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ فَأَهْلُهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِمْ قَطْعًا، وَأَنْ لَا يَدْخُلَهَا لِقِتَالٍ وَلَا خَائِفًا فَإِنْ دَخَلَهَا لِقِتَالِ بَاغٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ خَائِفًا مِنْ ظَالِمٍ أَوْ غَرِيمٍ يَحْبِسُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يُمْكِنُهُ الظُّهُورُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ قَطْعًا. وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا فَالْعَبْدُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ قَطْعًا. وَقِيلَ: إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الدُّخُولِ مُحْرِمًا فَهُوَ كَحُرٍّ وَعَلَى الْوُجُوبِ لَوْ دَخَلَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِأَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ يَعُودَ مُحْرِمًا وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحِيَّةُ الْبُقْعَةِ فَلَا يَقْضِي كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَلَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَالْحَرَمُ كَمَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ. . فصل: في الطواف بأنواعه: وَيَجُوزُ جَعْلُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ جَمِيعُ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ (فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ لَمْ يُحْسَبْ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ) وَلَوْ حَاذَاهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَبَعْضُهُ مُجَاوِزٌ إلَى جَانِبِ الْبَابِ فَالْجَدِيدُ لَا يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الطَّوْفَةِ. وَلَوْ حَاذَى بِجَمِيعِ الْبَدَنِ بَعْضَ الْحَجَرِ دُونَ بَعْضٍ أَجْزَأَهُ. ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي الثَّانِيَةِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعِدَّةِ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُحَاذَاةِ الْحَجَرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اسْتِقْبَالُهُ وَأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي الْأُولَى لِعَدَمِ الْمُرُورِ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى الْحَجَرِ فَلَا بُدَّ فِي اسْتِقْبَالِهِ الْمُعْتَدِّ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنْ لَا يُقَدِّمَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ، الْمَذْكُورُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: وَإِنْ عَبَّرَ فِيهِ يَنْبَغِي، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَمَشَى نَحْوَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي أَوْ نَحْوَ الْبَابِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ مَشَى قَهْقَرَى نَحْوَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ (وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْجِدَارُ الْبَارِزُ عَنْ عُلُوِّهِ بَيْنَ رُكْنِ الْبَابِ وَالرُّكْنِ الشَّامِيِّ (أَوْ مَسَّ الْجِدَارَ) الْكَائِنَ (فِي مُوَازَاتِهِ) أَيْ الشَّاذَرْوَانِ (أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَخَرَجَ مِنْ الْأُخْرَى) وَهُوَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ عَلَيْهِ جِدَارٌ قَصِيرٌ (لَمْ تَصِحَّ طَوْفَتُهُ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ فِيهَا طَائِفٌ فِي الْبَيْتِ لَا بِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَالْحَجَرُ قِيلَ جَمِيعُهُ مِنْ الْبَيْتِ وَالصَّحِيحُ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَقَطْ (وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَجْهٌ) أَنَّهُ تَصِحُّ طَوْفَتُهُ فِيهَا لِأَنَّ مُعْظَمَ بَدَنِهِ خَارِجٌ فَيَصْدُقُ أَنَّهُ طَائِفٌ بِالْبَيْتِ (وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) وَلَوْ فِي أُخْرَيَاتِهِ وَلَا بَأْسَ بِالْحَائِلِ فِيهِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي وَالْأَصْلُ فِيمَا ذِكْرُ الِاتِّبَاعِ. مِنْهُ مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا»، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ إلَّا الْمَشْيَ عَلَى يَمِينِهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ:«رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُومِئُ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ». (وَأَمَّا السُّنَنُ فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ.«وَطَافَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ لِيَرَاهُ النَّاسُ فَيَسْتَفْتُوهُ. وَلَوْ طَافَ رَاكِبًا بِلَا عُذْرٍ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِدْخَالُ الْبَهِيمَةِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ مَكْرُوهٌ. (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ أَوَّلَ طَوَافِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ. (وَيُقَبِّلُهُ) رَوَى الشَّيْخَانِ«عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَهُ». (وَيَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ عَلَى الْحَجَرِ». (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ التَّقْبِيلِ وَوَضْعِ الْجَبْهَةِ لِزَحْمَةٍ (اسْتَلَمَ) أَيْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ ثُمَّ قَبَّلَهَا (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الِاسْتِلَامِ (أَشَارَ بِيَدِهِ) وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ، وَفِي الرَّوْضَةِ: يُسْتَحَبُّ الِاسْتِلَامُ بِالْخَشَبَةِ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ أَيْ وَيُقَبِّلُ الْخَشَبَةَ أَوْ نَحْوَهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِعَصَا وَنَحْوِهَا أَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ فِيهَا، ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ. وَفِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ اسْتِلَامٌ وَلَا تَقْبِيلٌ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ. (وَيُرَاعَى ذَلِكَ) أَيْ الِاسْتِلَامُ وَمَا بَعْدَهُ (فِي كُلِّ طَوْفَةٍ وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا، وَيَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَ وَلَا يُقَبِّلُهُ) لَكِنْ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ». (وَأَنْ«يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ») قَالَ الرَّافِعِيُّ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَقَوْلُهُ: إيمَانًا مَفْعُولٌ لَهُ لِأَطُوفُ مُقَدَّرًا (وَلْيُقَبِّلْ قُبَالَةَ الْبَيْتِ:«اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بَيْتُك، وَالْحَرَمَ حَرَمُك، وَالْأَمْنَ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ) وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، وَهَذَا الدُّعَاءُ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَعَ دُعَاءٍ عَنْ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ، وَدُعَاءٍ تَحْتَ الْمِيزَابِ، وَدُعَاءٍ بَيْنَ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِي وَأَسْقَطَهَا جَمِيعَهَا مِنْ الرَّوْضَةِ. وَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ: رَبَّنَا بَدَلَ اللَّهُمَّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ:«سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ رَبَّنَا وَفِي الرَّوْضَةِ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا» (وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ) فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ (وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ) فِيهِ (أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ) فِيهِ (أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ) وَفِي وَجْهٍ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَأْثُورِهِ أَيْضًا (وَأَنْ يَرْمُلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي) عَلَى هَيِّنَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَسْتَوْعِبُ الْبَيْتَ بِالرَّمَلِ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا»، وَلَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ الْحَامِلُ، وَلَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَقْضِيهِ فِي الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السَّكِينَةُ فَلَا تُغَيَّرُ. (وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَفِي قَوْلٍ بِطَوَافِ الْقُدُومِ) لِأَنَّ مَا رَمَلَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِلْقُدُومِ، وَسَعَى عَقِبَهُ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَيَرْمُلُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا لِإِجْزَاءِ طَوَافِهِ عَنْ الْقُدُومِ، وَكَانَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا حَاجًّا إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ، فَإِنْ دَخَلَهَا قَبْلَهُ وَلَمْ يُرِدْ السَّعْيَ عَقِبَ طَوَافِهِ لِلْقُدُومِ رَمَلَ فِيهِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَالْحَاجُّ مِنْهَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَمَنْ أَرَادَ السَّعْيَ عَقِبَ طَوَافِهِ لِلْقُدُومِ رَمَلَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِذَا رَمَلَ فِيهِ وَسَعَى عَقِبَهُ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إنْ لَمْ يُرِدْ السَّعْيَ عَقِبَهُ، وَكَذَا إنْ أَرَادَهُ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهُ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ أَيْ مَطْلُوبٌ أَوْ مَحْسُوبٌ، وَإِذَا طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى عَقِبَهُ وَلَمْ يَرْمُلْ فِيهِ لَا يَقْضِيهِ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: الْأَظْهَرُ وَلَوْ طَافَ وَرَمَلَ وَلَمْ يَسْعَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِبَقَاءِ السَّعْيِ عَلَيْهِ. (وَلْيَقُلْ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّمَلِ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا) قَالَ الرَّافِعِيُّ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهُ: اجْعَلْهُ أَيْ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ الْمَصْحُوبِ بِالذَّنْبِ، قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعَةِ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. (وَأَنْ يَضْطَبِعَ فِي جَمِيعِ كُلِّ طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ، وَكَذَا فِي السَّعْيِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى) مَنْكِبِهِ (الْأَيْسَرِ) كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبْعِ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْعَضُدُ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى» وَقِيسَ السَّعْيُ عَلَى الطَّوَافِ بِجَامِعِ قَطْعِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكَرُّرِهَا سَبْعًا، وَمُقَابِلُهُ يَقِفُ مَعَ الْوَارِدِ (وَلَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَضْطَبِعُ) أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهَا ذَلِكَ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ. (وَأَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ) تَبَرُّكًا بِهِ (فَلَوْ فَاتَ الرَّمَلُ بِالْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ، فَالرَّمَلُ مَعَ بُعْدٍ أَوْلَى) لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، وَالْقُرْبُ مُتَعَلِّقٌ بِمَوْضِعِهَا (إلَّا أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ) بِحَاشِيَةِ الْمَطَافِ (فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى) تَحَرُّزًا عَنْ مُصَادَمَتِهِنَّ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ بِالْقُرْبِ أَيْضًا نِسَاءٌ يُخَافُ مُصَادَمَتُهُنَّ فِي الرَّمَلِ فَتَرْكُهُ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ مَنْ يَفُوتُهُ الرَّمَلُ مَعَ الْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ يَرْجُو فُرْجَةً وَقَفَ لِيَجِدَهَا فَيَرْمُلُ فِيهَا (وَأَنْ يُوَالِيَ طَوَافَهُ) وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ مُوَالَاتُهُ، كَمَا سَيَأْتِي، فَيَبْطُلُ بِالتَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ بِلَا عُذْرٍ، قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَرْكُهُ الطَّوَافَ وَلَوْ أُقِيمَتْ الْمَكْتُوبَةُ وَهُوَ فِيهِ فَتَفْرِيقُهُ فِيهَا تَفْرِيقٌ بِعُذْرٍ. وَيُصَلِّي بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ{الْإِخْلَاصَ} لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ الشَّيْخَانِ، وَفِيهَا مُسْلِمٌ (وَيَجْهَرُ) بِهَا (لَيْلًا) وَيُسِرُّ نَهَارًا (وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَالصَّلَاةُ)«لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَعَلَهَا تَلَا قَوْله تَعَالَى{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَأَفْهَمَ أَنَّ الْآيَةَ آمِرَةٌ بِهَا وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَعُورِضَ بِمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَشْهُورِ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ:«لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَعَلَى الْوُجُوبِ يَصِحُّ الطَّوَافُ بِدُونِهَا، وَلَا يُجْبَرُ تَرْكُهَا بِدَمٍ. تَتِمَّةٌ: لَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي الطَّوَافِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ تَشْمَلُهُ نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى غَرَضٍ آخَرَ كَطَلَبِ غَرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ نَامَ فِيهِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ صَحَّ طَوَافُهُ فِي الْأَصَحِّ، أَمَّا الطَّوَافُ فِي غَيْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِلَا خِلَافٍ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَلَوْ حَمَلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا) لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَطَافَ بِهِ حُسِبَ) الطَّوَافُ (لِلْمَحْمُولِ وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَصَدَهُ لِلْمَحْمُولِ فَلَهُ) وَيُنَزَّلُ الْحَامِلُ مَنْزِلَةَ الدَّابَّةِ، وَهَذَا مُخَرَّجٌ عَلَى اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يُصْرَفَ الطَّوَافُ إلَى غَرَضٍ آخَرَ وَالثَّانِي يَقَعُ الطَّوَافُ لِلْحَامِلِ وَهُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ، وَالثَّالِثُ يَقَعُ لَهُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا دَارَ وَالْآخَرُ دِيرَ بِهِ (وَإِنْ قَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا فَلِلْحَامِلِ فَقَطْ) قَالَهُ الْإِمَامُ وَحُكِيَ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَحَكَى الْبَغَوِيُّ فِي الثَّانِيَةِ وَجْهَيْنِ فِي حُصُولِهِ لِلْمَحْمُولِ مَعَ الْحَامِلِ لِأَنَّهُ دَارَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَصَدَ نَفْسَهُ أَوْ كِلَيْهِمَا، أَيْ فَيَقَعُ لِلْحَامِلِ فَقَطْ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْحَلَالَ لَوْ نَوَى الطَّوَافَ لِنَفْسِهِ وَقَعَ لَهُ فَقَطْ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لَوْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ وَنَوَيَا الطَّوَافَ فَأَقُولُ أَصَحُّهَا وُقُوعُهُ عَنْ الْحَامِلِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ الطَّائِفُ، وَالثَّانِي عَنْ الْمَحْمُولِ فَقَطْ، وَالْحَامِلُ كَالدَّابَّةِ، وَالثَّالِثُ عَنْهُمَا لِنِيَّتِهِمَا مَعَ الدَّوْرَانِ وَيُقَاسُ بِهِمَا الْجِلَالَانِ النَّاوِيَانِ، فَيَقَعُ لِلْحَامِلِ مِنْهُمَا فِي الْأَصَحِّ . فَصْلٌ: [في استلام الحجر الأسود] وَالْمَرْأَةُ لَا تَسْعَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي سَعْيِهِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ مَرَّاتِ السَّعْيِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَيَجُوزُ فِعْلُهُ رَاكِبًا وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ مَرَّاتِ السَّعْيِ أَوْ الطَّوَافِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ. وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْيَانُ بِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ.
|